فصل: الخامس: في حكم الأسارى وفكاك الأسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الرابع: في الغلول وما ينتفع به قبل القسم:

قال مالك: إن ظهر على من غل قبل أن يتوب أدب ويتصدق بذلك إن افترق الجيش وإلا رد إلى المغانم ابن القاسم فإن جاء تائبًا لم يؤدب.
قال مالك: وسنة الطعام والعلف في أرض العدو أن يؤكل ويعلف ولا يستأمر الإمام ويجوز ذبح الأنعام للأكل وقيل: لا يجوز.

.الخامس: في حكم الأسارى وفكاك الأسير:

والإمام مخير في الأسارى بين خمس خصال: القتل، والاسترقاق، والمن، والفداء، وعقد الذمة، يفعل من ذلك ما هو أصلح للمسلمين، ويجب على المسلمين فداء أسراهم بما قدروا عليه، كما يجب عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم.
قال مالك في العتبية: فإن لم يقدروا على فكاكهم إلا بما يملكون، فذلك عليهم، وفي الفداء بالخيل والسلاح والخمر والحرير خلاف، وإذا فدى رجل أسارى بدار الحرب وفيهم المليء وذو القدر.
فقال سحنون: إن كان العدو قد عرف ذا القدر منهم قسم الفداء عليهم على قدر أقدارهم، وإن جهل ذلك فذلك عليهم بالسواء، ومن اشترى أسيرًا حرًا بأمره أو بغير أمره، فقال ابن القاسم: له الرجوع عليه بما اشتراه، وإن كان أضعاف قيمته شاء أو أبى، فإن لم يكن له مال اتبعه به، وإن كان له مال وعليه دين، فالذي فداه أو اشتراه أحق من الغرماء لأن ذلك فداء له ولمالكه كما لو فدى ماله من اللصوص أو دابته من ملتقطها أو متاعًا له أكرى عليه، فليس له ولا لغرمائه أخذه حتى يأخذ هذا ما ودي فيه، وإذا اختلف الأسير والفادي في قدر الفداء، أو قال: لم يفدني صدق الأسير على الأصح، وإن أخرجه من بلد العدو ويحلف.

.السادس: في الأمان:

وذلك إلى الإمام إن كان العدو غير محصور، وإن كان محصورًا صح منه ومن كل مسلم مميز غير مكره، ويصح من المميز.
وقال سحنون: إن أجازه الإمام في المقاتلة وفي أمان العبد أربعة أصحها الجواز، وثالثها التفرقة، فإن أذن له سيده في القتال صح وإلا فلا، والرابع إن قاتل صح أمانه، وإلا فلا، ويصح أمان المرأة على الأصح، ثم من أجزنا أمانه فلا يتوقف على إجازة الإمام.
وقال ابن الماجشون: يتوقف، فإن رآه صوابًا أمضاه ثم الأمان، إنما ينفع من لا مضرة على المسلمين في بقائه، فإن كان في بقائه مضرة كالجاسوس والطليعة قتل.

.السابع: في الذمة:

وهي التزام تقريرهم في بلادنا على أداء الجزية والسلامة من جهتهم والمتولي للعقد الإمام، وذلك واجب عليه إذا طلبوه منه ورآه مصلحة وينبغي له أن يبين لهم مقدار الجزية.
قال مالك: ولا يزاد فيها على ما فرضه عمر رضي الله عنه وهي أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهمًا على أهل الورق ومن ضعف عن ذلك خفف عنه الإمام، ابن القصار ولا حد لأقلها وقيل: أقلها دينار وعشرة دراهم، وتؤخذ منهم على وجه الصغار كما أمر الله تعالى.
قال مالك: ومن أسلم من أهل حصن سقطت عنه وعن أرضه، وكانت أرضه له، وإن كان من أهل العنوة سقطت عنه، ولم تكن أرضه له ولا داره ولا ماله يريد ماله الذي اكتسبه قبل الفتح.
قال الباجي: ومن اجتمعت عليه جزية سنين ثم مكن، فإن كان فراره منها أخذت منه كلها وإن فر لعسر لم تؤخذ منه ولم تكن في ذمته.
قال القاضي أبو الوليد: وتعقد لكل كافر ذكر حر بالغ قادر عليها يجوز إقراره على دينه وليس بمغلوب على عقله ولا مترهب منقطع في دير.
قال: وهذا ظاهر المذهب.
وقال القاضي أبو الحسن: استثنى مالك الفرس من ذلك.
وقال ابن الجهم: توضع على كل من كان بغير الإسلام إلا من أجمع عليه من كفار قريش إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صونًا لهم عن المذلة والصغار واستثنى ابن وهب مجوس العرب واستثنى ابن الماجشون من ليس بكتابي.
ولا جزية على صبي ولا عبد ولا امرأة لأنهم أتباع ولا على مجنون ولا راهب منقطع في دير قبل ضربها عليهم ولو ترهب بعد الضرب لم تسقط عنه ولا تسقط على رهبان الكنائس وهم الشمامسة والفقير العاجز عن الكسب يقر مجانًا، ولا تقبل من المرتد؛ لأنه لا يقر على الدين الذي انتقل إليه.
قال مالك: تعقد في جميع البلاد إلا في جزيرة العرب.
قال في رواية عيسى وهي مكة والمدينة واليمن وإذا حصل العقد أمرناهم بالانتقال حيث لا يمتنعون فيه عنا ويجب عليه الذب عنهم في أموالهم وأنفسهم ولا يتعرض لكنائسهم ولا لخمورهم ولا لخنازيرهم ما لم يتظاهروا بها، فإن أظهروا الخمر أرقناها عليهم، وإن لم يظهروها وأراقها مسلم فقد تعدى ولزمه قيمتها وقيل: لا تجب ومن أظهر الخنزير أدب وإذا ترافعوا إلينا في المظالم حكمنا بينهم، ويجب عليهم الوقوف عند ما اقتضاه عقد الذمة ويمنعون من التظاهر بما لهم فيه عز كركوب الخيل والبغال السنية ويمنعون من الركوب على السروج ويمنعون من جادة الطريق ويضطرون إلى أضيقها ويلزمون لباس الغيار والزنار، فإن تركوا الزنار أدبوا ولا يتشبهون بالمسلمين في الزي، ونهى عمر أن يتخذ منهم كاتب ويقاومون من الأسواق كلها ويجب عليهم الانقياد للأحكام ويمنعون من إظهار معتقداتهم، ثم إن أظهروا من ذلك ما لا ضرر فيه على مسلم عزرناهم ولا تنتقض ذمتهم بذلك، وإنما تنتقض بالقتال ومنع الجزية واللدد في الأحكام وإكراه المسلمة على الزنى، فإن أسلم لم يقتل لأن قتله لنقض العهد لا للحد وكذلك التطلع على عورات المسلمين، ومن تعرض منهم لسب نبي قتل.

.الثامن: في تعشير المحاربين وأهل الذمة:

ويؤخذ العشر من بضاعة تجار أهل الحرب ولا يؤخذ من تجارة الذمي شيء إلا أن يتجر في غير أفقه الذي يؤدي فيه الجزية فيؤخذ منه العشر كلما دخل ولو مرارًا في السنة ابن القاسم، ولا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فيؤخذ منه العشر.
وقال ابن حبيب: بل يؤخذ منه عشر ما معه ويعقله عليه الوالي، ويكون شريكًا فيما في يديه بعشرة ومنشأ الخلاف هل أخذ ذلك منه لأجل وصوله إلى ذلك القطر أو لأجل الانتفاع فيه وثمرة الخلاف إذا دخل بعين أو بضاعة، ثم أراد الرجوع قبل أن يشتري أو يبيع فابن حبيب يوجب عليه العشر وابن القاسم لا يوجب عليه شيئًا.

.كتاب السبق والرمي:

والمسابقة بين الخيل وبين الركاب مشروعة، وكذلك في تعليم الرمي، ويشترط في السباق معرفة الغاية وتعيين الموقف وما يشترط في عوض الإجارة ولا يشترط معرفة جريها ولا من يركب عليها من صغير أو كبير، بل معرفة أعيانها، وكره مالك حمل الصبيان عليها، ولذلك ثلاث صور:

.الأولى:

أن يجعل الوالي أو غيره مالاً للسابق ولا يختلف في جواز ذلك.

.الثانية: أن يخرج ذلك أحد المتسابقين:

فإن كان لا يرجع ذلك إليه بوجه، بل إن سبق أخذه السابق وإن سبق أخذه من يليه أو من حضر إن لم يكن معهما غيرهما وذلك جائز أيضًا، وإن شرط أن يأخذه من سبق هو أو غيره لم يجز على المشهور. وروى ابن وهب جوازه.
قال الأستاذ أبو بكر: وهو الصحيح.

.الثالثة: أن يخرج كل واحد منهما شيئًا فمن سبق أخذهما:

فإن لم يكن معهما غيرهما لم يجز، وإن كان معهما من لا يأمنان أن يسبقهما وليس عليه شيء، بل إن سبق أخذ وإن لم يسبق لم يغرم شيئًا، فالمشهور المنع، وأجازه ابن شهاب وابن المسيب واختاره ابن المواز.
والرمي: كالسبق فيما يجوز ويكره ويختص بالرمي عن القوس دون غيره.
تنبيه:
إذا عرض للفرس نكبة مثل أن يسقط فينكسر أو عرض ذلك للقوس أو للسهم لم يكن مسبوقًا. وأما الفارس يسقط عن فرسه أو يسقط الفرس فينكسر.
فقال ابن المواز: أهل السباق يعدون فرسه الذي بلغ الغاية سابقًا، ولا وجه له، والذي اختاره أن كل ما كان من قبل الفارس مثل انقطاع لجام، فلا يعذر به، وما كان من قبل غيره لم يكن مسبوقًا.

.كتاب الأطعمة والأشربة:

.والمأكول نوعان:

حيوان وجماد.
فالحيوان كله مباح ما عدا الخنزير، وفي سباع الوحش ثلاثة التحريم والكراهة والتحريم فيما يعدو والكراهة في غيره، وفي سباع الطير قولان الإباحة والكراهة، وفي الحمير والبغال قولان التحريم والكراهة، وكذلك الخيل، وقيل: بإباحتها ابن الماجشون وأكل الطين حرام، ثم ما أبحنا أكله إذا اختلط بنجاسة وأمكن تمييزها أو تطهيره جاز أكله، وقد اختلف في اللحم يطبخ بماء نجس، وفي الزيتون يملح بماء نجس، والخلاف في إمكان تطهيره لا في جواز أكله إذا طهر، وإن لم يمكن تمييزها ولا تطهيره، والنجاسة يسيرة، والطعام كثير أكل، وقيل: لا يؤكل، وقد قيل في الجبن الرومي أنه لا يؤكل لأنه يعقد بالأنفحة وهم لا يذكون وإذا وجد حوت في بطن حوت أكل، وإن وجد في بطن طير ميت فقيل: لا يؤكل لأنه صار نجسًا.
وقال ابن يونس: الصواب جواز أكله كما لو وقع حوت في نجاسة، فإنه يغسل ويؤكل ثم الإجماع على تحريم الميتة والدم مع الاختيار، وأما مع الاضطرار فيجوز عدا ميتة الآدمي، وكذلك الخمر على المشهور، ولا يجوز التداوي بها على المشهور، ولا يجوز أكل الحشيشة، ثم إذا أبحنا له أكل الميتة، فذلك إذا خاف التلف ما لم يكن في سفر معصية على الأصح، إلا أن يتوب حكاه القاضي أبو بكر وحكى غيره جواز أكلها وإن كان في سفر معصية بخلاف الفطر والقصر، واختلف هل يشبع ويتزود أو يقتصر على ما يمسك الرمق والظاهر من المذهب جواز الشبع والتزود وإن وجد الطعام بثمن المثل أو بثمن في الذمة، وهو واجد لزمه شراؤه، فإن لم يبعه منه واستطعمه فلم يطعمه قاتله، فإن مات رب الطعام فدمه هدر، وإن مات الآخر وجب القصاص، ومن وجد ميتة وطعامًا لغيره أكل طعام الغير إن أمن أن يعد سارقًا وفي ضمانه قولان.

.الأشربة:

أربعة:
حلال، وحرام، ومختلف فيه بالمنع، والكراهة، كالمصنوع من الخليطين، ومختلف فيه هل له حكم الخليطين أو هو جائز.
الأول: كل شراب ليس بمسكر ولا عمل على صفة يسرع إليه السكر بسببها ولا صار إلى حال يشك في سكره، ولا خلاف في ذلك، ثم إن كان لم تمسه النار فيستحب أن لا يؤخر عن ثلاثة أيام لما في مسلم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد، ثم يأمر به فيسقى أو يراق وإن مسه النار ولم يبالغ في طبخه وخشي أن يكون مسكرًا نظر إلى الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت، وإن بولغ في طبخه حتى صار إلى حال يمنع معه الإسكار جاز شربه.
الثاني: المسكر من كل شيء وقد انعقد الإجماع على تحريم عصير العنب ومطبوخه واختلف في عصير غيره ومطبوخه، فذهب مالك والشافعي إلى تحريم قليله وكثيره، وذهب أبو حنيفة إلى تحريم كثيره دون قليله.
الثالث: ما خلط من نوعين كل واحد منهما يصير خمرًا لو انفرد كالتمر مع البسر أو العنب، وقد ورد النهي عن انتباذ التمر والزبيب معًا، والعلة إسراع السكر.
قال مالك: وفيه الأدب الموجع إن عرف ذلك وارتكب النهي عامدًا.
وقال القاضي أبو محمد: إن خلط فقد أساء ولم يحد وما ليس فيه الشدة المطربة جاز شربه.
الرابع: أن يجعل في النبيذ ما يسرع به إلى السكر كالتربة وعكر النبيذ والعجين والدقيق، وقد أجاز ذلك مرة ومنعه أخرى وبالجواز أخذ ابن القاسم والمنع أولى لأن العلة في الخليطين ليس إلا الإسراع إلى السكر.
تنبيه:
من ملك خمرًا فليرقها ويكره أن يخللها، فإن فعل جاز أكل ذلك الخل وكرهه عبد الملك، وسحنون، ولو تخللت بنفسها جاز أكلها بلا خلاف.

.كتاب الأيمان والنذور:

الأيمان: جمع يمين وهي الحلف بمعظم تأكيدًا لدعواه أو لما عزم على فعله أو تركه.

.حكمها:

الجواز إن كانت باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته.

.حكمة مشروعيتها:

الحث على الوفاء بالعقد مع ما فيها من المبالغة في التعظيم.

.أركانها:

أربعة: الحالف، والمحلوف به، والمحلوف عليه، والصيغة.

.الحالف:

مسلم مكلف فلا اعتبار بيمين الكافر ولا بيمين المجنون والسكران ولا بيمين الصبي وتنعقد من المكلف، وإن كان سفيهًا أو عبدًا.

.المحلوف به:

أسماء الله تعالى وأسماء صفاته النفسانية والمعنوية دون صفات فعله نحو خلقه ورزقه وأسماؤه عز وجل المشتقة من الأفعال كغيرها وكرهت اليمين بعهد الله وأمانة الله إذ لم يرد إطلاقها، فإن قصد الصفة لزمته الكفارة والمشهور وجوب الكفارة في القرآن والمصحف. وروى ابن زياد نفي الكفارة وأنكرها الأشياخ وأولوها بأنه أراد القراءة أو الحروف والأوراق والحلف بالنبي وبالكعبة مكروه وبكل حادث ولا كفارة فيه.

.المحلوف عليه:

ما يقدر الحالف على فعله أو تركه.

.الصيغة:

تكون تارة بحرف من حروف القسم كالباء والتاء والواو وايم وتارة تكون بغير حرف كقولك: الله لأفعلن، ولو قال: أحلف أو أقسم أو أشهد، وعلق ذلك باسم الله تعالى نطقًا أو نية فيمين وإن نوى غير الله تعالى، فليست بيمين وإن لم ينو شيئًا لم تكن يمينًا على المشهور، ولابد من تمهيد قواعد يحتاج إليها وهي عشرون قاعدة:

.الأولى:

أن اليمين إذا تعلقت بإيجاد الفعل في حقيقة مركبة لم يبر إلا بإيجاده في كل فرد من أفرادها وإن تعلقت بإعدامها بر بإعدام فرد من أفرادها مثاله أن يحلف ليعطين فلانًا عشرة دراهم فلا يبر إلا بإعطاء كل فرد ولو حلف لا أعطيه عشرة دراهم فأعطاه تسعة لم يحنث وبهذه يعرف صحة ما قيل في الحالف ليأكلن هذا الرغيف أنه لا يبر إلا بأكل جميعه؛ لأنه حلف على إيجاد الأكل في جميعه، ولو حلف لا أكله حنث بأكل بعضه لأن مراده أنه لا يعدمه.

.القاعدة الثانية:

أن الحالف إنما يراد بيمينه أن تكون حاثة له على الفعل أو الترك ولا يختلف في ذلك، ويشكل على هذه تحنيثه بفعل المحلوف عليه ناسيًا، ومشهور المذهب أنه يحنث، وقيل: لا حنث عليه، وهو قول الشافع واختاره السيوري وغيره ومثل هذا أن يحلف لا دخل لي فلان دارًا فدخلها فلان في غيبة الحالف وقد رأيت من حنثه وهو بعيد لأن مراده أنه يمنعه ولا يتصور منعه مع غيبته والصواب أنه لا يحنث.

.القاعدة الثالثة:

أن المشروط لا يقع إلا بعد شرطه لا يتقدم عليه حلفه ولا يساويه وبهذه القاعدة يظهر بطلان تعليل قول من قال في القائل لعبده إن بعتك فأنت حر أن البيع يفسخ ويعتق العبد لأن البيع والعتق وقعًا معًا، والصواب في التعليل أن يقال: الحالف إنما يحلف على فعل نفسه، والذي يقدر عليه هذا الحالف إنما هو إصدار صيغة الإيجاب والقبول من المشتري شرط في كون صيغة الإيجاب شرطًا، فإذا حصل القبول منه تحقق أنه باع العبد بعد العتق فما وقع المشروط إلا بعد وقوع شرطه.

.القاعدة الرابعة:

المقرر في أصول الفقه فيما إذا قال: ليفعلن كذا، أو إن لم يفعل فمضى زمان يمكنه فيه الفعل ولم يفعل فقد تحقق العدم ومقتضى هذه القاعدة أن الحالف ليطلقن امرأته أو إن لم يطلقها فمضى زمان يمكنه فيه طلاقها ولم يفعل أنه حانث ووقع في المذهب في الحالف إن لم يفعل كذا، فامرأته طالق أنه يحال بينه وبين وطئها حتى يفعل ما حلف عليه، ومقتضى هذه القاعدة أنها تطلق بمضي زمن يمكنه فيه الفعل، وقالوا في الرجل يقول: إن لم يقتل زيدًا فامرأته طالق أنه تطلق عليه بالحكم إن لم يقتله وهذا موافق للقاعدة.

.القاعدة الخامسة:

إذا حلف لأفعلن كذا فأكره على فعله فلا حنث عليه، فإذا حلف لا دخل هذه الدار فأكره على دخولها ودخل محمولاً لم يحنث، لكن إن قدر على الخروج فلم يخرج حنث ابن القاسم، ولو كان راكبًا قبالة الباب فضربت أو نفرت ولم يقدر على النزول لم يحنث، ولو قدر على أن يترامى من غير أن يصيبه عيب فلم يفعل حنث ولو فعل ما حلف أن لا يفعله جاهلاً مثل أن يحلف لا يسلم على زيد، فسلم عليه وهو في الظلام من غير أن يعرفه حنث، وينبغي أن لا يحنث لما تقدم أن اليمين حاثة على الفعل أو الترك فسلامه عليه في الظلام لا يتناوله يمينه كما قلناه في الناسي.

.القاعدة السادسة:

إذا حبسه عذر عن فعل ما حلف ليفعلنه ففي حنثه قولان، ومقتضى ما تقدم أن يكون الصحيح عدم الحنث.

.القاعدة السابعة:

في الفرق بين النية المؤكدة والمخصصة، فالمؤكدة هي الموافقة لمدلول اللفظ والمخصصة منافية، مثال ذلك أن يقول: والله لا لبست ثوبًا، ونوى كتانًا.
قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله الفقهاء يفتون بأنه لا يحنث إلا بالكتان والصواب أن يقال: يحنث في الكتان باللفظ والنية؛ لأن النية هنا مؤكدة ويحنث في غيره بعموم اللفظ، وإن استحضر غير الكتان في نيته ونوى إخراجه عن عموم اللفظ لم يحنث به؛ لأن النية حينئذ مخصصة لأن من شرط المخصص أن يكون منافيًا.

.القاعدة الثامنة:

إذا صدر اللفظ من صاحب الشرع فمحمله على العرف الشرعي، وبهذه القاعدة نعرف أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى ينفع في اليمين بالله تعالى خاصة دون الطلاق والعتق لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت»، ثم حيث قلنا بأن الاستثناء بها ينفع، فذلك إذا كان كلامه متصلاً من غير قطع اختياري وحرك بها لسانه قاصدًا للاستثناء، فلو فصل بينها وبين يمينه اختيارًا أو لم يحرك لسانه بها أو أتى بها سهوًا أو تبركًا لم تنفعه ولو علق الطلاق على فعل وأعاد المشيئة إليه كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله لم تنفعه على المشهور.
وقال ابن الماجشون وأصبغ: ينفعه وهو أصح في النظر.

.القاعدة التاسعة:

إذا استثنى بمشيئة من لا تعلم مشيئته كالملائكة لم ينفعه على الأصح، وكذلك من لا مشيئة له كالحجر وفي لزوم الطلاق له قولان لسحنون وابن القاسم.
وقال أشهب فيمن قال: والله لا كلمتك إلا أن يشاء هذا الحجر لا يكلمه أبدًا ولو استثنى بمشيئة نفسه مثل أن يقول: إلا أن يبدو لي أو أرى غير ذلك، فلا خلاف أن ذلك ينفعه في اليمين بالله عز وجل وفي المستقبل المعلق عليه الطلاق مثل أن يقول: لا فعلت كذا، أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق إلا أن يبدو لي أو أرى غير ذلك يريد يبدو لي في الفعل أو نرى غيره.
قال ابن القاسم: وكذلك قوله: يريني الله غير ذلك، قال: وأما إن قال: إلا أن يقضي الله أو يريد الله فهو كقوله: إن شاء الله والنية في ذلك كله غير كافية، بل لابد من النطق ولو استثنى بمشيئة زيد ولم يعلم أو علم، فلم يقض بشيء أو لم يعلم هل قضى بشيء أو لا لم يقع طلاق ولو قال: أنت طالق، إلا أن يشاء زيد عدم الطلاق لم تطلق على الأشهر، ولو قال: أنت طالق إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لم يلزمه بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ والأصل: أنت طالق إن شاء أبي، قاله أصبغ.